أفضل وقت للمذاكرة: دراسة شاملة لتحديد الوقت الأمثل للتعلم الفعّال

تُعدّ المذاكرة من أهم الأنشطة التي يمر بها الطالب أو المتعلم خلال مراحل حياته التعليمية، فنجاحه في تحقيق الأهداف الدراسية وتحصيل المعلومات بشكل فعّال يعتمد بشكل كبير على جودة الوقت الذي يخصصه للدراسة. ومن هنا تظهر أهمية تحديد “أفضل وقت للمذاكرة”، حيث تختلف القدرة على التركيز واستيعاب المعلومات حسب أوقات اليوم وظروف الفرد الشخصية. يتناول هذا المقال بشكل موسع مفهوم أفضل وقت للمذاكرة من الناحية العلمية والنفسية، مع استعراض الفروق الفردية وأثر عوامل متعددة على كفاءة التعلم.

مفهوم الوقت الأمثل للمذاكرة وأهميته

تُشير الدراسات التربوية والنفسية إلى أن القدرة على التركيز والاحتفاظ بالمعلومات لا تكون ثابتة طوال اليوم، بل تمر بتقلبات دورية تؤثر على فعالية المذاكرة. الوقت الأمثل هو الفترة التي يكون فيها الدماغ أكثر نشاطًا واستعدادًا لاستقبال المعلومات الجديدة، مع قدرة أعلى على التركيز وتقليل التشتت الذهني.

تحديد أفضل وقت للمذاكرة يعزز من جودة الدراسة، حيث:

• يزيد من سرعة الفهم والاستيعاب.

• يحسن من ذاكرة الاحتفاظ بالمعلومات.

• يقلل من الإرهاق الذهني والتعب.

• يسمح بتوزيع المذاكرة بشكل متوازن وفعّال خلال اليوم.

العوامل التي تؤثر على تحديد الوقت الأمثل للمذاكرة

1. الإيقاع الحيوي (الساعة البيولوجية)

الإيقاع الحيوي هو نمط الساعة البيولوجية الداخلية التي تنظم دورة النوم والاستيقاظ والنشاط خلال 24 ساعة. لكل شخص إيقاعه الحيوي الخاص، والذي يؤثر بشكل مباشر على مستويات اليقظة والتركيز.

هناك نوعان رئيسيان من الأشخاص بحسب الإيقاع الحيوي:

• صباحيون (Morning people): يميلون إلى النشاط واليقظة في الصباح الباكر ويكونون أكثر إنتاجية في ساعات الصباح.

• مسائيون (Night owls): يزداد نشاطهم وحيويتهم في فترة المساء والليل، وقد يواجهون صعوبة في الاستيقاظ المبكر.

إدراك نوع الإيقاع الحيوي للفرد يساعد على اختيار أفضل أوقات المذاكرة المناسبة له.

2. نوع المادة الدراسية وصعوبتها

تختلف طبيعة المواد الدراسية، فبعضها يتطلب تركيزًا عاليًا واستيعابًا عميقًا مثل الرياضيات والعلوم، وبعضها يحتاج إلى مراجعة وقراءة أقل تركيزًا مثل المواد الأدبية.

الأوقات التي يكون فيها الدماغ أكثر نشاطًا وهدوءًا تكون مناسبة أكثر لدراسة المواد الصعبة التي تحتاج تفكيرًا وتحليلًا. أما المواد التي تعتمد على الحفظ والمراجعة قد تناسب أوقات أخرى أقل نشاطًا.

3. الظروف البيئية والمحيطية

تلعب بيئة الدراسة دورًا هامًا في تحديد الوقت المناسب، حيث يؤثر الضوضاء، الإضاءة، وراحة المكان على مدى قدرة الطالب على التركيز. في أوقات معينة من اليوم، تكون البيئة هادئة أكثر كالليل أو الصباح الباكر، مما يسهل المذاكرة.

4. الحالة النفسية والصحية

الصحة النفسية والجسدية تؤثر أيضًا على القدرة على المذاكرة، فالإرهاق الجسدي، القلق، أو التوتر تقلل من التركيز. لذلك، اختيار وقت تكون فيه الحالة النفسية جيدة هو عامل أساسي في نجاح المذاكرة.

الأوقات المناسبة للمذاكرة مع تفسير علمي

1. فترة الصباح الباكر (من 5 صباحًا حتى 9 صباحًا)

تعتبر ساعات الصباح الباكر من أفضل الأوقات للمذاكرة، خاصة للطلاب الصباحيين، حيث يكون الدماغ قد استراح أثناء النوم، ويعمل بكفاءة عالية.

• مستويات الكورتيزول (هرمون الاستيقاظ) تكون مرتفعة مما يزيد من اليقظة.

• الدماغ يكون في حالة استرخاء مع استعداد للتعلم.

• قلة الإزعاج والضوضاء في هذا الوقت تعزز التركيز.

يُفضّل استخدام هذه الفترة لدراسة المواد التي تحتاج تفكيرًا عميقًا وتحليلًا.

2. فترة الظهيرة (من 12 ظهرًا حتى 3 عصرًا)

تُعتبر فترة الظهيرة أقل فعالية مقارنة بفترة الصباح، حيث يمر الجسم بانخفاض طبيعي في اليقظة يُعرف بـ “هبوط منتصف النهار”.

• قد يشعر البعض بالنعاس أو التعب بعد وجبة الغداء.

• مستويات التركيز تكون أقل، لكن يمكن استغلالها في مراجعة المواد السهلة أو القراءة الخفيفة.

3. فترة العصر (من 4 عصرًا حتى 7 مساءً)

يبدأ نشاط الدماغ بالارتفاع مرة أخرى في فترة العصر، مما يجعلها مناسبة للدراسة مع تحسن التركيز.

• تعتبر فترة مثالية للمذاكرة عند المسائيين.

• يمكن استغلالها في حل التمارين العملية أو التمارين الرياضية العقلية.

4. فترة الليل المتأخر (من 9 مساءً حتى منتصف الليل)

يتميز هذا الوقت بنشاط عالٍ عند المسائيين، حيث يكون الدماغ نشطًا ومستعدًا لاستقبال المعلومات.

• قلة الإزعاج والضوضاء تجعل التركيز أفضل.

• بعض الدراسات تشير إلى أن الدماغ في الليل قد يكون أكثر قدرة على الربط الإبداعي وحل المشكلات المعقدة.

لكن هذا الوقت لا يناسب الصباحيين، كما أنه لا يُنصح به للطلاب الذين يعانون من قلة النوم أو اضطرابات النوم.

الفروق الفردية في اختيار الوقت المناسب للمذاكرة

لا يمكن تعميم أفضل وقت للمذاكرة على الجميع، فالاختلافات الفردية تلعب دورًا حاسمًا. بعض الطلاب يبدعون في الدراسة صباحًا، وآخرون يفضلون الدراسة في الليل. لذا فإن التجربة الشخصية مهمة لمعرفة الوقت الذي تكون فيه أكثر تركيزًا.

لذلك، يُنصح بتجربة أوقات مختلفة خلال اليوم ومراقبة مدى التركيز والأداء في كل فترة، ومن ثم اختيار الوقت المناسب بناءً على هذه التجارب.

نصائح عملية لاستغلال الوقت الأمثل للمذاكرة

• تنظيم الوقت: تقسيم فترات الدراسة إلى جلسات قصيرة (25-50 دقيقة) مع فواصل قصيرة، لتعزيز التركيز.

• تهيئة بيئة مناسبة: اختيار مكان هادئ ومنظم ومضاء جيدًا.

• الاهتمام بالنوم: النوم الكافي (7-9 ساعات) ضروري للحفاظ على نشاط الدماغ.

• تناول الغذاء الصحي: وجبات متوازنة تحافظ على طاقة الجسم والدماغ.

• الابتعاد عن المشتتات: تقليل استخدام الهواتف أو وسائل التواصل أثناء الدراسة.

• استخدام تقنيات التركيز: مثل تقنية بومودورو لتنظيم أوقات الدراسة.

تأثير المذاكرة في أوقات مختلفة على الأداء الأكاديمي

أظهرت العديد من الأبحاث العلمية أن الطلاب الذين يدرسون في أوقات تكون فيها قدراتهم الذهنية في أعلى مستوياتها يحصلون على نتائج أفضل من حيث الفهم والتذكر.

جدول يوضح تأثير أوقات المذاكرة على التركيز والأداء:

الخلاصة

الاختيار الأمثل لوقت المذاكرة يعتمد على العديد من العوامل البيولوجية والنفسية والبيئية، ولا يمكن حصره في فترة زمنية محددة لكل الناس. ومع ذلك، تميل الأدلة العلمية إلى تفضيل فترة الصباح الباكر وفترة العصر كأفضل أوقات للدراسة، مع أهمية مراعاة الفروق الفردية والتجارب الشخصية. تنظيم الوقت مع خلق بيئة مناسبة والاستفادة من أفضل ساعات النشاط الذهني تضمن مذاكرة فعّالة تؤدي إلى تحسين الأداء الأكاديمي.

المصادر والمراجع

• Wehrwein, E. A., & Joyner, M. J. (2013). Regulation of cerebral blood flow during exercise. Progress in cardiovascular diseases, 56(4), 325-330.

• Hershner, S., & Chervin, R. (2014). Causes and consequences of sleepiness among college students. Nature and Science of Sleep, 6, 73–84.